الكاتب: فادي الطويل
«يا أمّي الغالية سأتوقف من أجلك، وداعاً». كانت هذه آخر تغريدة للسعودية إيمان القحطاني، الصحافية والكاتبة والناشطة في مجال حقوق الإنسان والمرأة. شكّت القحطاني صوتاً متنوّراً كان له حضور لافت على موقع تويتر، وتابعها أكثر من 74 ألف متابع. واعتمدت القحطاني على تويتر للدخول في نقاشات واسعة، لم تكن تخلو من حدّةٍ وتهجّمٍ معنويّ عليها تطوّر لاحقاً لمضايقات صريحة. وتحوّلت القحطاني إلى هدف للتهديدات المتنوّعة، بسبب طروحاتها الجريئة حول حرية المرأة السعودية ودورها السياسيّ من جهة، واندفاعها في الدفاع عن قضية المعتقلين من ناشطي حقوق الإنسان في «جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية» (حسم). وأسس الجمعيّة أحد عشر ناشطاً وأكاديمياً سعودياً العام 2009، وحضرت القحطاني محاكمتهم السياسية، دعت عبر حسابها على تويتر لمساعدة عائلاتهم. ومع حلّ الجمعية، ومصادرة أملاكها، وسجن بعض أعضائها في آذار الماضي، تلقّت القحطاني تهديدات متكررة بتعريضها للأذى الشخصيّ هي وأفراد عائلتها، فاتخذت القرار بوقف نشاطها على تويتر.
قضيّة القحطاني واحدة من الحالات التي تعيد فتح ملفّ الحرّيات الإعلاميّة في السعوديّة، خصوصاً مع الفورة على مستوى الفضاء الافتراضيّ والحداثة التقنية في المملكة. وتطرح الحالة السعوديّة في هذا السياق أسئلة كثيرة عن الحريات ومدى ارتباطها بالتقنية، والتوفيق بين سياسةٍ رسميّةٍ تتوخّى نظرة «محافظةً» تحت مسمّيات كثيرة، وضرورة المواكبة لتقنية تفرض نفسها على الواقع بما تحقّقه من تقدم سريع.
يشكّل تويتر منبراً مهماً للشباب السعوديّ، وفضاءً لتبادل الأفكار والآراء. وعلى تويتر، تدور السجالات بين المطالبين بحريّة الرأي والتعبير وترسيخ حقوق المرأة خصوصاً، وحقوق الإنسان عموماً… وأولئك الذين يمثّلون الطرف المقابل الذي يتّخذ من مصطلحات كالـ«فضيلة» و«المعروف» و«المحافظة» مبرراً للمطالبة بقمع من اتخذوا من تويتر (وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي) منبراً لهم.
ينشغل فضاء تويتر السعودي بمسألة حرية المرأة في المشاركة الاجتماعية، وحقّها في السّفر من دون إذن «وليّها»، وحقّها في قيادة السيارة، والتصويت. وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي الشهر الماضي بما «تردّد عن سماح هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» للمرأة السعودية بقيادة الدراجة الهوائية في الحدائق العامة، شرط عدم الاختلاط مع تجمعات شبابية، ووجوب أن يكون معها رجل لتتجنب ما قد تتعرض له من مضايقات. وانتشرت التغريدات والتعليقات بين مرحّب بالفكرة، ومستنكرٍ لها بشكل ساخر. حدثٌ آخر برز على تويتر السعودي، وهو حملة ضدّ العنف الممارس بحقّ المرأة، ضمن مفتاح تاغ «وما خفي كان أعظم».
يظهر التباين في الأفكار واضحاً بين مستخدمي تويتر السعوديين. سجال عنيف يفرض التدقيق في دور السعوديين والسعوديات على موقع التدوينات القصيرة. ففي إحصائيات نُشرت وتم تداولها في مواقع التواصل الاجتماعي، وتشمل الربع الأول من العام 2013، يظهر أن عدد مستخدمي الانترنت في المملكة يصل إلى 15.8 مليون مستخدم، بنسبة 54.1% من عموم سكان المملكة. ويبلغ عدد مستخدمي تويتر في السعودية 4.3 ملايين مستخدم بنسبة 14.7 في المئة، وهذا الرقم لافت لكونه قد حقق معدّل نموّ مبهر بلغ 3000 في المئة، من العام 2011 إلى بداية العام الحالي.
عربياً، تحتل السعودية المرتبة الأولى لناحية استخدام تويتر، بنسبة 55 في المئة من الذكور، 45 في المئة من الإناث، معظمهم من فئة الشباب. ويأتي تويتر في مرتبة متقدمة في تسلسل المواقع التي يزورها السعوديون بعد غوغل، ويوتيوب، وفايسبوك. أما الرياض فهي المدينة العاشرة على مستوى العالم لناحية التغريدات التي تكتب منها يومياً على الموقع.
تدلّ هذه الأرقام على أنّ الشباب السعودي يجد في تويتر متنفّساً للتفكير والتعبير وربما التغيير. الأكيد أنّ تويتر نجح في خلق بيئة خصبة لطرح أفكار وقضايا كانت تحول دون التطرّق إليها محاذير بيروقراطيّة واجتماعيّة، وسياسات محافظة ومتحفّظة.
المصدر: جريدة السفير
الرابط:
اترك رد