بيروت ليست سويسرا الشرق

23 02 2016

” ربّ مدينة تدعى بيروت، موئل الحياة، مرفأ ألوان الحب واقعة على البحر فيها جزر جميلة وأشجار ظليلة، ليست حدّ برزخ ضيق دقيق… بل إنها تتمدد الى الجهة الشرقية الحارقة عند قدمي جبال لبنان السورية المكسوة بالغابات… بيروت أمل الحياة، حاضنة المدائن، شرف الملوك، الرؤيا الأولى، شقيقة الدهر، مواكبة الزمن، عرش هرمس، حمى العدالة، مدينة المشرعين، دار أمزوزينيا، منزل أفروديت، بيت الهوى، نجمة بلاد لبنان.”
نونوس البانوبوليسي
القرن الخامس بعد الميلاد
هذا ما كتبه سمير قصير على غلاف كتابه “تاريخ بيروت”

لم اقتنع يوما بوصف بيروت على انها سويسرا الشرق ..   وهذا اللقب قد يكون مخملي اللفظ احيانا ، هي اكثر من مطعم وحانة ومقهى في وسطها ، هي ليست لمن استعمر قلبها وليست لمن سرقها وادعى حبها .. ليست لمن يحاول قتلها كل يوم ، ليست لمن خنقها بالاسمنت وليست لمن نزع العرس منها .. هي أكثر من صخره في بحرها وتمثال في وسطها .. بيروت هي الكمال بموجوداتها .. هي التي حملت الجراح ، هي التي قاومت بكل حب ، هي التي انتصرت رغم اوجاعها .. ثم انتفضت من بين ركامها لتكمل حبها ..

هي التي استشهد ابناؤها أمام عينيها ولم ترضخ  .. هي التي لم يسكتها كاتم صوت ولم ترعبها عبوه محشوة في سيارة .. يحاولون قتل بيروت وهي تبادرهم بالحب حتى آخر رمق .. بيروت تحب كل من فيها ، وحدهم الطغاة والشموليون لم تحبهم . ليست هي من تترك المشردين في الطرقات .. ليست هي من تترك القمامة في شوارعها .. ليست هي من اعتدى على أبنائها حين صرخوا لاجلها .. بيروت لم تقتل مهدي عامل و حسين مروه و سمير قصير  .. بل نفسهم من خنقوا بيروت بجدرانهم الاسمنتية وبعهرهم الفكري و برجعيتهم هم من قتلوهم وقتلوا معهم بيروت.

لم أكن -للاسف- يوماً من سكان بيروت، لكن كنت عند كل زيارة أجدها اجمل مما سبق . كنت اكتشف فيها كل يوم ميزة جديدة ، ميزة تجعلك على يقين أنها لا يمكن أن تكون أروع مما هي عليه، لكن عندما تعود اليها تصدمك بوجهٍ جديد لم تكن تعرفه .. وهي التي تبدو بكل أوضاعها بهية ، حين تغضب وتثور ، حين ترقص وتفرح. ..

غريبة هي قدرة هذه المدينة أن تعيش وأن تعود الى الحياة كل يوم.
يصف البعض بيروت على انها  متعة قصيرة الامد و منهم من يقول  ستأتي إلى بيروت، حيث ستحصل على كل شيء إلاّ القناعة.
سوف تعش فيها لأعوام، لكنها لن تصبح بيتك.
سوف تقابل فيها الكثير، وسيبقى منهم القليل.
ستدّر عليك المال والخدمات، على حساب صحتك ووقتك.

بيروت هي الحياة، التي تأخذ منك أكثر مما تعطيك. هي ذاتها التي تصوّر لك الوهم على شكل حلم… و تصفها صديقتي المتمردة ان بيروت وحدها من تحمل أسرارها .. واخر يراها مدينه التناقض بكل ما فيها من ازدواجيه فقد تكون عائداً من أحد الملاهي الليليه التشيكية في أحد شوارع الطبقه المخملية ومن ثمّ تسلك المفرق الملاصق، لتجد نفسك في أحد أزقتها الشعبية المقطوعة الكهرباء  (مع ان في الشارع الملاصق ، نادراً ما يفقد النور ) …

صديقي قال ان بيروت للكلّ، لكن لا احد لبيروت،
وهذا أفضل ما يعبر عن حالتها و حالتنا.

هذه هي بيروت بكل جمالها .. بكل تناقضاتها بكل أحيائها وشوارعها وأزقتها ومقاهيها وحاناتها .. بكل فقرها وتعاستها.. بشبابها وشيوخها .. بنهارها ومسائها .. وحتى بنفاياتها وقرفها.

تلك المدينة التي ليس كمثلها شيء وبالتاكيد ليست سويسرا الشرق .. هي بيروت فقط لا غير.

علي حسن الامين، مواليد شقرا ( جنوب لبنان) 1997، طالب جامعيّ.


إجراءات

Information

أضف تعليق




Sekkar Melih | ســــكّر مالــــح

قالَ البيتْ خُذوني مَعَكُمْ | أعطيناه الدّمْعُ ورُحنا

TRELLA.org

أنا نصف مجنون أبحث عن نصفي الاخر. حياتي كناية عن فوضى منظمّة .. هوايتي المفضلة أن أدفع الامور نحو الهاوية ثم أترقب لحظة سقوطها على نحو يثير اللذة في تكرار مغامرة قاتلة. بين الاكاديميا والحب والنضال .. جنون يخترق جدية الحياة فيجعلها في مرمى النيران